حزيران - تموز (يونيو - يوليو) 2025

  • 1 يونيو - 31 يوليو 2025

التعلّم المستمر مفتاح الحد من البطالة؟!

 

أصبح التعلم مدى الحياة في عالم تسوده التحولات التكنولوجية السريعة وتتغير فيه متطلبات سوق العمل باستمرار، ركيزة أساسية للأفراد والدول الطامحة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتقليل البطالة. فالتعليم لم يعد محصورًا في سنوات الدراسة التقليدية، بل أصبح عملية مستمرة تمكّن الأفراد من اكتساب مهارات جديدة تلبي احتياجات سوق العمل الديناميكية، وتدعم الدول في بناء اقتصادات مبتكرة ومرنة. ففي الدول المتقدمة مثل سنغافورة، اليابان، سويسرا، وفنلندا، يُعد التعلم مدى الحياة أداة حيوية لتعزيز الإنتاجية ومكافحة البطالة، خاصة بين الشباب والعاملين في القطاعات المتأثرة بالأتمتة.

وتشير دراسة أجراها البنك الدولي عام 2018 إلى أن كل عام إضافي من التعلم يزيد متوسط الأجور بنسبة 9 في المئة عالميًا، مما يعكس العلاقة المباشرة بين اكتساب المهارات وتحسين فرص العمل. في الدول المتقدمة، يتجلى هذا التأثير بوضوح في تقليل معدلات البطالة من خلال برامج التعلم المستمر. سنغافورة، التي تُصنف ضمن أفضل الدول في التعليم وفقًا لاختبارات برنامج التقويم الدولي للطلبة (PISA) ، أطلقت مبادرة SkillsFuture عام 2015 لدعم التعلم مدى الحياة. توفر هذه المبادرة رصيدًا ماليًا بقيمة 500 دولار سنغافوري سنويًا لكل مواطن للتسجيل في دورات تدريبية.

وفي اليابان، يُعتبر التعلم مدى الحياة جزءًا من استراتيجية مكافحة البطالة والحفاظ على الريادة الاقتصادية. تقدم الشركات اليابانية، مثل تويوتا وميتسوبيشي، برامج تدريبية مستمرة تركز على المهارات الرقمية والابتكار. دراسة أجرتها OECD في عام 2022 أظهرت أن 72 في المئة من العاملين في اليابان يشاركون سنويًا في أنشطة تعليمية، مقارنة بمتوسط 50% في دول الاتحاد الأوروبي. هذا الاستثمار في التعلم ساهم في الحفاظ على معدل بطالة منخفض 2.5% في 2024، (وفقًا لبيانات البنك الدولي)، خاصة في القطاعات المتأثرة بالأتمتة. على سبيل المثال، برامج إعادة تأهيل العاملين في مجالات الذكاء الاصطناعي ساعدت في إعادة توظيف العمال في أدوار جديدة، مما قلل من تأثير فقدان الوظائف التقليدية.

وتقدّم سويسرا تقدم نموذجًا رائدًا للحد من البطالة من خلال التعلم مدى الحياة عبر نظامها التعليمي الثنائي، الذي يجمع بين التعليم الأكاديمي والتدريب المهني. وفقًا لتقرير المعهد الفيدرالي السويسري للتعليم والتدريب المهني(SFIVET)  لعام 2023، يختار 68% من الشباب السويسري التدريب المهني، مما يضمن اكتسابهم لمهارات تتوافق مع احتياجات السوق. أما فنلندا، التي تُعد نموذجًا عالميًا في جودة التعليم، تجعل التعلم مدى الحياة أداة لمكافحة البطالة. تستثمر فنلندا 6.9% من ناتجها المحلي الإجمالي في التعليم، وفقًا لتقرير اليونسكو لعام 2020، وتوفر دورات مجانية للبالغين في مجالات مثل البرمجة والاستدامة. وأظهرت دراسة أجرتها جامعة هلسنكي عام 2023 أن 27% من البالغين الفنلنديين يشاركون في برامج تعليمية مستمرة، مما ساهم في خفض معدل البطالة بين الشباب إلى 5.5% في 2024، مقارنة بمتوسط 12% في دول الاتحاد الأوروبي.

ووفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية (ILO) لعام 2022، فإن الأفراد الذين يشاركون في برامج تعليمية مستمرة هم أكثر عرضة بنسبة 22% للحصول على وظائف ذات رواتب أعلى. كما أن الدول التي تستثمر في التعلم المستمر تشهد زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7-1.2% سنويًا، وفقًا لتحليل OECD هذه الأرقام تؤكد أن التعلم مدى الحياة هو استثمار استراتيجي يعزز رأس المال البشري ويدعم الاستقرار الاقتصادي.

في الختام، تُظهر تجارب سنغافورة، اليابان، سويسرا، وفنلندا أن التعلم مدى الحياة هو مفتاح تقليل البطالة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. من خلال برامج مثل  SkillsFuture، التدريب المهني السويسري، والتعلم الرقمي الفنلندي، تمكنت هذه الدول من تحويل التحديات التكنولوجية إلى فرص للابتكار.

التعلم المستمر ليس مجرد استجابة لمتطلبات العصر، بل هو السبيل لضمان ازدهار الأفراد والاقتصادات في القرن الحادي والعشرين، حيث يظل السلاح الأقوى لمواجهة البطالة وبناء مستقبل مزدهر.